27 - 06 - 2024

مؤشرات | ليبيا و 13 عامًا من الغرق في الحصاد المر

مؤشرات | ليبيا و 13 عامًا من الغرق في الحصاد المر

قبل 13 عامًا وبعد 23 يومًا من انطلاق ثورة 25 يناير 2011، انطلقت ثورة أخرى في ليبيا وتحديد في 17 فبراير من نفس العام، ضد حكم معمر القذافي مطالبة بالإطاحة به، وبمساعدة وتدخل مباشر من قوات حلف الناتو وبتأييد من قوى سياسية ليبية ودول عربية، ولتصفية حسابات قديمة، تمت الإطاحة بالقذافي وحكمه، ومطاردته حتى اغتياله.

ووعد الجميع غربًا وعربًا وفي الداخل الليبي بليبيا جديدة، تعيش حياة ديمقراطية، ونعيمًا وإقتصادًا متنوعًا في بلد ينعم بثراء البترول، وخرجت مسيرات وتظاهرات من قطاعات شعبية ترحب بما هو قادم.

إلا أن الحصاد كان مرًا على مدى الـ13 عاما الماضية، وتشتتت ليبيا وانقسم الناس فئات، وتسيَّد العنف المدن والقرى والمناطق والشوارع ، وتمزقت ليبيا بفعل تدخلات خارجية عديدة، وانساقت تكتلات نحو مصالح ليس لليبيين علاقة وصالحا بها، بل دخلت قوى خارجية لتحقيق نفوذ لها في أرض عمر المختار، ولتصفية حسابات مع القذافي المُغتال، وكان الضحية هو شعب ليبيا بأكمله.

ومن يقول أن ليبيا غير منقسمة أو أوصالها متقطعة، فهو يعيش في عالم النسيان، فالواقع الليبي مرير، مرارة خسارة أوطان عربية، بتوظيف أبنائها ضد مصالح ومستقبل بلادهم وأجيالها، ومرارة المتأمرين على وطن.

ومن حق الشعوب أن تحلم وتسعى للديمقراطية، وتناضل من أجل تحقيقها، ولكن الخطر أن يشارك البعض في تحطيم أحلام الأغلبية من الشعوب المسحوقة تحت أطماع ونيران أقلية تبحث عن نصيب في كعك الأوطان عند توزيع الغنائم.

ويظل السؤال المطروح، .. من يتحمل ما جرى، ولا زال يجري في ليبيا حتى اللحظة، ومن يهمه أن تبقى ليبيا هكذا، وطنا منهوب الثروات، مثله مثل دول أخرى تعيش نفس المآسي؟.

الإجابة من وجهة نظري أن الجميع يتحمل المسؤولية، وليس جزءا من المسؤولية، بسبب الأطماع نحو السلطة والثروة، والأجندات الخاصة، وتمرير أجندات آخرين لقوى ودول لها مصالحها، وتعلية مصالح الأيدولوجيات، ومصالح الجماعات والقوي والمنظمات بل والدول على مصالح الوطن.

من يبريء نفسه مما آلت إليه ليبيا، لا يفعل إلا محاولة لغسيل يديه من دماء ودموع وطن وشعب تم سرقة أحلامه، وطموحات أبناء على مدى 13 عاما، وسنوات قادمة لا يمكن تقديرها في ظل وضع متأزم لا نهاية له في الأفق المنظور.

البلد تحول إلى حكم من الميليشيات التي تقف إلى جانب كل فصيل، وهناك من يمد كل طرف بالسلاح والمال، وكتابة شيكات على بياض سيدفعها الوطن والشعب، وليس هؤلاء من يحررون تلك الشيكات.

لم نسمع من أحد أى إجابة مقنعة عن فشل كل المحاولات المحلية والإقليمية والدولية من أجل توحيد مؤسسات الدولة غربًا وشرقًا، من أجل إجراء انتخابات عامة تأتي بحكومة موحدة وواحدة تدير البلاد وتسعى للخروج بها من أزمتها، وأن تكون تلك الإنتخابات إنطلاقة للعودة بالدولة الليبية إلى نفسها، أو لإستعادة قوتها وموقعها الضائع.

الحزن يعتصرنا جميعًا على ليبيا وعلى كل أوطاننا المتشرذمة، والتي لا يعني كثير منها ما يجري في دول الأشقاء، بل بعضها، وللأسف يعمل ضدها، وسيزداد حزننا أكثر إذا لم يعد الجميع إلى عقل الوطن وحقه عليهم وإنقاذه من أزمات تزداد في نفق مظلم فيه مسؤولون وسياسيون معصوبي العينين، وفي موقف أزمة مزدوج بين ظلمة النفق الذي دخلوه عن عمد أو أدخلهم فيه أخرون وهم معصوبي العينين.

المؤكد إذا ما خلصت النوايا، من كل الأطراف، والوصول إلى مفهوم "تصفير المشاكل"، يمكن أن تكون نقطة البداية لحالة من الإصلاح، وتمهيد الطريق نحو الخروج بالدولة الليبية من كبوتها، بل على حد تعبير مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي، الحماية من "انزلاق ليبيا إلى التفكك"، من خلال تنحية المصالح الذاتية والتفاوض بحسن نية، أو صفاء نية.

ولا يمكن تبرئة تيار الإسلام السياسي، إذا جاز التعبير، من المسؤولية الكبيرة والأساسية لما جرى ويجري في ليبيا،  مدعومًا بميليشياته، والتي لها اليد الطولي في القرار، وقرار التيار نفسه.

ومن قبل تتحمل حكومة الوحدة الوطنية وتيارها فيما بعد جانبًا أيضا من المسؤولية، وهي ذات المسؤولية التي تتحملها حكومة الوفاق، وكل مسؤول عن تكوين ميلشيات تحولت مع الوقت إلى صاحبة قرار أقوى من تلك الحكومات، وتبرئة جماعة حفتر ليست واردة من المسؤولية.

وليس الأمر كله مغلق، فكل شئ قابل للحل، ..وفتح أفق للتحرك نحو دولة موحدة، وارد، مع الجلوس على مائدة واحدة، محورها مصلحة ومصالح وطن، يغوص في برك مياه راكدة، أصعب من تلك المياه الجوفية التي أغرقت مدنا في البلاد.
-------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | استثمار زراعي .. ولا مكان لصغار الفلاحين





اعلان